ثلاث نساء في غرفة ضيقة» لـ هناء متولي: سيمفونية
الحزن والعزلة في السرد النسوي المعاصر
أفكار الثقافة وألآدب
في ظل الحراك الأدبي الذي
تشهده القاهرة، برزت مؤخراً مجموعة قصصية جديدة تعيد صياغة مفهوم الألم الأنثوي
بلمسة فنية مغايرة. صدرت عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة المجموعة القصصية «ثلاث نساء في غرفة ضيقة»
للكاتبة هناء متولي، لتكون بمثابة مرآة تعكس خفايا النفس البشرية وما
يعتريها من انكسارات. تضم المجموعة 22 نصاً قصصياً، تنسج خيوطها بين الواقعية
القاسية والتجريب الفني، محولةً العزلة من مجرد شعور عابر إلى بطل رئيسي يحرك
الأحداث.
 |
| ثلاث نساء في غرفة ضيقة» لـ هناء متولي: سيمفونية الحزن والعزلة في السرد النسوي المعاصر |
ثلاث نساء في غرفة ضيقة» لـ هناء متولي: سيمفونية الحزن والعزلة في السرد النسوي المعاصر
ملامح المجموعة القصصية فضاءات بين القرية والمدينة
تتخذ هناء متولي من "المرأة"
مركزاً لكونها القصصي، حيث يهيمن الحضور الأنثوي على كافة النصوص. لا تكتفي
الكاتبة برصد معاناة المرأة في بيئة محددة، بل تتأرجح فضاءاتها السردية بين المدينة بصخبها الموحش والقرية بهدوئها القاتل.
هذا التنوع الجغرافي يخدم
فكرة "القهر" الذي لا يعترف بالحدود؛ فالمرأة في هذه القصص هي "لقمة
سائغة" في فم وحش الوحدة، سواء كانت تعيش في شقة ضيقة بالعاصمة أو في بيت
طيني على حافة ترعة. المجموعة ترصد ببراعة عوامل الإحباط والشجن والحنين التي تشكل
وجدان "حواء" في المجتمعات الشرقية.
التقنيات السردية تزاوج
السينما والأدب
ما يميز «ثلاث نساء في
غرفة ضيقة» ليس فقط مضمونها الإنساني، بل التقنيات السردية الحديثة التي اعتمدتها الكاتبة. لم تلتزم
متولي بالسرد الخطي التقليدي، بل استعارت أدوات من الفن السابع لتكثيف الحالة
الشعورية:
- تقنية المونتاج والسيناريو: حيث يتم تقطيع المشاهد
لخدمة الإيقاع الدرامي.
- الفلاش باك (الاسترجاع):
للربط بين آلام الماضي وتخبطات الحاضر.
- المشهدية البصرية:
التي تجعل القارئ يرى الكلمات وكأنها كادرات
سينمائية حية.
هذا
المزج التجريبي يهدف إلى تسجيل "اللحظات الخاصة جداً"، تلك التي لا
تُقال بالكلمات العادية، بل تحتاج إلى لغة بصرية وعمق سيكولوجي لاستكشاف قضايا
الهوية والوجود.
نماذج إنسانية من عمق
المعاناة
تتنوع الشخصيات في
المجموعة لتقدم بانوراما شاملة عن "الاكتئاب" و"الاغتراب":
- الخالة الوسيطة:
تلك المرأة التي تمضغ التبغ عند الغروب، وتدعي أنها
جسر بين الأحياء والأموات، وهي في الحقيقة تجسيد للهروب من الواقع المرير نحو
عالم الغيبيات.
- المصابات بالاكتئاب السريري: حيث تغوص الكاتبة في
كواليس المرض النفسي، بعيداً عن النظرة السطحية، لتصفه كحالة وجودية قاهرة.
- الأديبة الشابة في مواجهة البطريركية: من خلال قصة الأديبة
التي تصطدم بأديب شهير يسخر من "الكتابة النسوية"، تضعنا الكاتبة
أمام صراع الهوية وإثبات الذات في وسط ثقافي قد يكون أحياناً معادياً للمرأة.
دلالات
العناوين الصادمة نزع القناع عن المسكوت عنه
اختارت هناء متولي عناوين
مجموعتها بدقة متناهية، بحيث تحمل وقعاً صادماً يمهد القارئ لما سيواجهه من "فداحة".
عناوين مثل «نزع رحم»، «السقوط في نفق مظلم»، و**«يوميات
امرأة تشرب خل التفاح»**، ليست مجرد جمل استهلالية، بل هي تشخيص طبي واجتماعي
لحالات القهر الجسدي والنفسي. هي عناوين تعبر عن لحظات "الذروة" في
الألم، حيث يصبح الجسد الأنثوي مسرحاً للصراعات والقرارات الصعبة.
سيلفيا بلاث الحاضرة
الغائبة في الإهداء
من أبرز النقاط التي
استوقفت النقاد في المجموعة هو الإهداء الموجه إلى الشاعرة الأمريكية المنتحرة سيلفيا بلاث.
هذا الإهداء لم يكن عشوائياً، بل هو إعلان عن "المرجعية
الروحية" للنصوص. بلاث التي عانت من الاكتئاب السريري وانتهت حياتها بشكل
مأساوي، تمثل "الخريطة" التي تهتدي بها بطلات هناء متولي في دروب النفس
المظلمة.
تقول متولي في إهدائها: «إلى سيلفيا بلاث... التي
عرفتْ جيداً كيف يبدو الألم حين يصبح مألوفاً». هذا السطر يختصر فلسفة
المجموعة؛ فالألم هنا ليس ضيفاً طارئاً، بل هو رفيق "مألوف" تسعى
الكاتبة لترويض وحشيته عبر الكتابة.
قراءة في نص «سناء» تجسيد
البرودة العاطفية
في المقتطف الذي استعرضته
المجموعة، نجد قصة "سناء" التي تلخص مأساة الكثير من النساء. سناء التي
تهرول في ليل ممطر باحثة عن "رسالة" من الموتى، لا تجد سوى الصمت: "لا رسائل لك".
تعود سناء إلى بيتها، ولكن
ليس إلى "الدفء"، بل إلى "برودة القلب". تصوير الكاتبة لهروب
سناء من لمس جسد زوجها السابح في النوم خشية أن ينكشف سر "برودتها"، هو
تصوير بليغ للاغتراب الزوجي.
سناء التي تتقيأ "قطعة حلوى العروس" تعلن
بجسدها رفضاً قاطعاً لمظاهر الفرح الزائف التي يفرضها المجتمع، فالجسد هنا يثور
حين تعجز الروح عن الصراخ.
لماذا يجب أن تقرأ «ثلاث
نساء في غرفة ضيقة»؟
تعد هذه المجموعة إضافة
نوعية للمكتبة العربية لعدة أسباب:
- الجرأة النفسية:
القدرة على سبر أغوار الاكتئاب والعزلة دون تجميل.
- التكثيف اللغوي:
لغة هناء متولي لغة مقتصدة، قوية، ومشحونة
بالدلالات.
- البعد الإنساني:
رغم تركيزها على المرأة، إلا أنها نصوص تخاطب
الإنسان المعاصر المحاصر بوحدته في عالم مادي.
الخاتمة
إن كتاب «ثلاث نساء في
غرفة ضيقة» للكاتبة هناء متولي ليس مجرد مجموعة قصصية، بل هو وثيقة أدبية عن الألم الأنثوي.
من خلال 22 نصاً، استطاعت الكاتبة أن تخرج من "الغرفة
الضيقة" إلى رحابة الفن، محولةً الحزن الشخصي إلى تجربة إنسانية عامة تلمس
قلب كل قارئ. إنها دعوة للتأمل في تلك "الظلال التي تختبئ خلف الضوء" وفي
القوة الكامنة خلف انكسارات النساء.